يحلّل أحمد عبدالحليم، في هذا المقال، سؤال الصمت المصري إزاء ما يجري في غزة، منطلقاً من لحظة رمزية حين وصل المناضل اللبناني جورج عبد الله إلى بيروت في يوليو 2024، فتحدّث عن مصر لا بوصفها نظاماً، بل شعباً، ورأى في تحرّكه شرطاً لتحرر المنطقة كلها
يربط الكاتب بين تاريخ مصر المركزي في الوجدان العربي، ولا سيما في فلسطين، وبين شعور فلسطينيين في غزة بأن خذلان العرب يقع في كفة، وخذلان المصريين في كفة أخرى، بحكم عمق العلاقة التاريخية والثقافية بين الشعبين.
بين الغضب والحدود الحمراء
يؤكد الكاتب في التحليل الذي نشره مركز داون أن المصريين لم يتخلّوا عن فلسطين بالمعنى الحرفي، بل يعيشون في مساحة وسطى معقّدة. يتحرّك الغضب الشعبي داخل حدود شديدة الضيق، ويحاول الناس التعبير دون تجاوز الخطوط الحمراء التي يرسمها النظام. يخلق هذا الواقع أشكالاً محدودة من الفعل، تعجز عن مضاهاة حجم الإبادة الجارية، ليس بسبب اللامبالاة، بل تحت وطأة القمع الذي يفرضه نظام عبد الفتاح السيسي.
يستعيد المقال مشهد 20 أكتوبر 2023، حين خرج آلاف المصريين إلى ميدان التحرير بعد أقل من أسبوعين على بدء الحرب، وهتفوا لساعات رغم الانتشار الأمني الكثيف. يستعيد النظام السيطرة سريعاً، ويفضّ التظاهرة بالقوة، ويعتقل العشرات، ثم يشن حملة أوسع تطال مئات الداعمين لفلسطين، كثيرون منهم لا يزالون خلف القضبان. تمتد الاعتقالات إلى الجامعات والبيوت، وتطال حتى من جمعوا تبرعات لغزة أو طالبوا بقطع العلاقات مع إسرائيل.
ذاكرة القمع والإرهاق الجمعي
يرفض الكاتب تحميل مجتمع مقموع مسؤولية الفشل في الضغط على الدولة، ويذكّر بتاريخ طويل من العنف شكّل الوعي الجمعي المصري. يمرّ على محطات مفصلية منذ 2011: أحداث محمد محمود، ومجزرة بورسعيد، ثم فضّ اعتصامي رابعة والنهضة في أغسطس 2013، الذي أنهى التجربة الديمقراطية القصيرة. يترك هذا المسار جروحاً عميقة في النفس المصرية، رغم استمرار النزول إلى الشارع بين 2011 و2016 في ظل ثورة وقمع متلازمين.
يسجّل المقال أرقاماً ثقيلة: آلاف القتلى، ومئات حالات الإخفاء القسري سنوياً، ومئات الآلاف دخلوا السجون وخرجوا منها بتهم سياسية منذ 2013، مع وجود ما يزيد على 65 ألف سجين سياسي اليوم. يضيف إلى ذلك رقابة دائمة وإفقاراً متصاعداً، ما يولّد إنهاكاً واسعاً وسيناريو من السخرية واليأس، يقوّض السياسة والتنظيم الاجتماعي، ويمنع نشوء حركة جماعية كبرى، سواء لقضايا داخلية أو لدعم غزة.
خوف من الفوضى وتحولات الأجيال
يرصد الكاتب تحوّلاً في الفعل الثوري من جماعي إلى فردي. أحياناً يصرخ شخص واحد في الشارع لفلسطين، فيلتفت الناس ويتمنون الانضمام، لكنهم يتراجعون وهم يعرفون كلفة هذه الإشارة الصغيرة. يضيف العامل الجيلي إلى الصورة، إذ تبتعد أجيال أصغر عن السياسة الثورية، وتميل إلى الفردانية والسعي المعيشي، على حساب العمل الجماعي والإصلاح السياسي.
يعزّز النظام هذا الانكفاء عبر خطاب التخويف من الفوضى، ويقارن باستمرار بسوريا وليبيا واليمن والسودان، ليزرع قناعة مفادها أن العيش المذل تحت الاستبداد أفضل من عيش مماثل في الفوضى. في هذا السياق، يرى الكاتب أن النظام، لا الشعب، هو من خذل غزة، وأن الولايات المتحدة وإسرائيل استفادتا من توظيف القاهرة، بإرادتها، كمنسّق وشاهد صامت على الإبادة، مع إدراك واشنطن أن دعم آلة القمع المصرية يخنق الشارع المعارض لسياساتها في فلسطين والمنطقة.
يختم المقال بالتأكيد أن المصريين يرفضون حرب الإبادة، لكن الرفض وحده لا يكسر الخوف والإرهاق والقمع. يتنفس شعب أنهكته سنوات التدمير، فيما يحتاج التغيير إلى وقت وتنظيم وصبر. تبقى فلسطين حاضرة في كل لحظة ثورية مصرية كبرى، ويعلّق الكاتب الأمل على كسر الصمت اليوم لا غداً، عبر تضامن أوسع وقدرة أعلى على الضغط، من أجل حرية تمتد من مصر إلى فلسطين.
https://dawnmena.org/the-silent-public-why-arent-egyptians-revolting/

